تابعنا

تعديل

الأربعاء، 24 يوليو 2013

المسؤولية الإدارية




المسؤولية الإدارية 

تعريف المسؤولية الإدارية

فالمسؤولية الإدارية تعرف بأنها الحالة القانونية التي تلتزم فيها الدولة أو المؤسسات و المرافق و الهيئات العامة الإدارية نهائيا بدفع التعويض عن الضرر أو الأضرار التي تسببت للغير بفعلها المشروع أو غير المشروع على أساس الخطأ الرفقي أو الخطأ الإداري أو على أساس نظرية المخاطر.
و تتميز المسؤولية الإدارية بعدة صفات و خصائص .

خصائص المسؤولية الإدارية : 

من أهم خصائص المسؤولية الإدارية أنها :
1-     مسؤولية قانونية :لقيام المسؤولية الإدارية يتطلب توفر شروط و هي :
أ/ اختلاف السلطة الإدارية و المرافق و المؤسسات العامة صاحبة الأعمال الإدارية الضارة  عن الأشخاص المضرورين .
ب/ تتحمل الدولة و الإدارات العامة صاحبة الأعمال الإدارية الضارة عبء التعويض بصفة نهائية للمضرور مع توفر العلاقة السببية بين الأفعال الضارة و النتيجة التي أصابت المضرور
ج/ عدم دخول مال في ذمة الأشخاص المضرورين من قبل الدولة و الإدارة العامة بصورة مسبقة
2- المسؤولية الإدارية غير مباشرة : و يظهر ذلك من خلال تحمل الدولة و الإدارة العامة لأعمال موظفيها الضارة مع وجود علاقة التبعية .
3- ذات نظام قانوني مستقل و خاص بها
 قد تخضع لقواعد القانون الإداري و تفصل فيها جهات القضاء الإداري المختص و قد تخضع لقواعد القانون العادي ( مدني ) , ( تجاري ) , و تفصل فيها جهات القضاء العادي فهي مسؤولة ليست عامة و لا مطلقة و إنما تخضع لنظام قانوني خاص .
4-المسؤولية الإدارية حديثة و سريعة التطور :
هي مسؤولية حديثة جدا قياسا بالمسؤوليات القانونية الأخرى فباعتبارها مظهر من مظاهر تطبيقات فكرة الدولة القانونية لم تظهر إلا في نهاية القرن 19 و بداية القرن 20 .فبعدما كان يسود مبدأ عدم مسؤولية الدولة و الإدارة العامة ظهر مبدأ مسؤولية الدولة تدريجيا من مسؤولية العامل و الموظف إلى المسؤولية عن الأخطاء الإدارية الجسيمة فقط إلى مسؤولية الدولة عن كل خطأ إداري مرفقي يسير أو جسيم إلى مسؤوليتها عن أعمال الضارة بدون خطأ على أساس نظرية المخاطر .

المذاهب المختلفة للمسؤولية في القانون الإداري .

في النظام الانجلو سكسوني : كانت بريطانيا تعتنق مبدأ عدم المسؤولية الإدارية عن أعمال موظفيها القائم على عدة مبررات منها القاعدة الدستورية التاريخية القائلة أن  الملك لا يخطي  و شخصو الدولة في شخص  الملك , فالملك لا يسأل عن أعماله غير المشروعة .امتدت تلك الحماية و الحصانة إلى موظفي الدولة لاانهم في خدمة الملك إلا أن هذا المبدأ لم يكن مطلقا فقد عليه استثناءات :
تقررت مسؤولية الدولة عن العقود التي تبرمها انحصر تطبيقه في دائرة المسؤولية التقصيرية فقط .
·اقتصر مبدأ عدم المسؤولية على الموظفين التابعين للمصالح العمومية و الهيئات المركزية إقامة المسؤولية على عاتق الموظف شخصيا ( قرار مجلس اللوردات ) إعفاء المسؤولية عن شخص التاج .
و في سنة : 1947 صدر قانون يقر مسؤولية التاج عن أعمال موظفيه و أقام مسؤولية الدولة على نفس الأسس التي تقوم عليها لدى الأشخاص الطبيعيين .و منه أصبحت الدولة مسؤولة قانونيا إذا ما هي أضرت المواطن نتيجة خطأ قامت به .
هذا التطور الذي أتى به قانون: 1947 , أحدث خطوة أكيدة كبيرة نحو خلق تأكيد دور القضاء الإداري في منازعات الإدارة .

في نظام الولايات المتحدة الأمريكية :
كانت المحاكم الأمريكية تأخذ و تطبق في بادىء الأمر مبدأ عدم مسؤولية الدولة عن أعمال موظفيها الضارة على أساس ( إن الملك لا يخطى ) القاعدة الإنجليزية - و بالتالي لا يسأل الموظف و لا تسأل الدولة . و تطبيق هذه القاعدة أدى إلى نتائج غير منطقية لان التاج في انجلترا مصدر جميع السلطات و لكن مصدر السلطات في الولايات المتحدة الأمريكية هو الشعب . لذلك اتجه القضاء إلى تقرير مسؤولية الدولة عن الأضرار التي تصيب الأفراد تدريجيا حتى تكفل المشرع عام : 1946 .لأول مرة بتقرير مسؤولية الدولة عن أعمال موظفيها في قانون خاص الذي قرر مسؤولية الدولة الاتحادية عن أعمال موظفيها أمام القضاء على أساس الخطأ .
 في النظام الفرنسي :
عاشت مثل بقية الدول عهود الملكيات  المستبدة و ساد فيها مبدأ عدم مسؤولية الدولة عامة و مبدأ مسؤولية الإدارة عن أعمال موظفيها خاصة و بتأثير من أفكار الفلاسفة و توجيه الفقه و القضاء , بدأ تحول فرنسا عن تطبيق مبدأ عدم المسؤولية إلى مبدأ المسؤولية و لا على أساس التفرقة بين نوعين من الأعمال للدولة : أعمال إدارية شبيهة بأعمال الأفراد العاديين ( أعمال إدارية مجردة) تقوم بها الدولة بأساليب و تصرفات القانون الخاص يوصفها تاجر أو صانع ...و هذه الأعمال شملها مبدأ مسؤولية الدولة ، و أعمال مستمدة من السلطة العامة و هي التي فيها الدولة كسلطة إكراه لها منتصف القرن : 19 أخذت المحاكم الإدارية الفرنسية في الأخذ بمسؤولية الإدارة من أعمال موظفيها التي تسبب إضرار للغير و جاء حكم بلانكو الشهير 1873 ليعطي للقضاء الإداري الفرنسي الضوء الأخضر في مواجهة السلطة العامة في الدولة في رسم معالم هذه المسؤولية و إرساء قواعدها الموضوعية المستقلة من قواعد المسؤولية المدنية و قد أخذ القضاء الإداري الفرنسي مستغلا بقواعده الموضوعية و قواعد الاختصاص التي تحكم المسؤولية الإدارية يتوسع في مسؤولية الإدارة عن أعمال موظفيها عن طريق التوسع في الأساس القانوني لهذه المسؤولية حتى توصل في القرن : 20 ليشمل بمبدأ المسؤولية هذا جميع أعمال الدولة دون تمييز بين أعمال السلطة العامة و أعمال الإدارة .

تطور مبدأ مسؤولية الدولة في النظام الجزائري :
أ/ المسؤولية قبل الاحتلال :كان النظام السائد في الجزائر خلال هاته الفترة هو النظام الإسلامي و تطبيق للحديث الشريف لا ضرار في الإسلام .إذا كان يرفع الظلم عن الرعية مهما كان مصدره .و مع تطور الزمن و غلبة الطابع الدنيوي استدعى الأمر إيجاد نظام قانوني يتولى النظر في المظالم فظهرت نظرية ( نظر المظالم ) .و هي القضاء الإداري بالمفهوم الحالي .يهدف هذا النظام إلى محاكمة كبار المسؤوليين في الدولة .و في العهد الأتراك لم تتغير الأمور كثيرا إذا احتفظ الدايات و البايات بنظر المظالم . إلا انه كان نظر حسب أهوائهم مما أحدث هوة جعلت للجزائريين يحجمون عن التظلم أمام سلطات الأتراك .
ب/ مسؤولية الدولة أثناء الاحتلال الفرنسي : في عهد الأمير عبد القادر كان الأمير مختصا بذاته في نظر المظالم حفاظا على حقوق المواطنين مطبقا في ذلك أحكام الشريعة الإسلامية و أحكامه تعد نهائية لا يجوز الطعن فيها .بما أن سياسة الاحتلال تهدف إلى تحقيق مصالحه فمن الطبيعي انه يهدم مبدأ تقرير مسؤولية الدولة عن أعمالها الضارة تجاه الجزائريين .و رغم انه إنشاء محاكم قضاء إداري بموجب مرسوم : 30/09/1953(­قسنطينة , الجزائر , وهران ) تحت إشراف مجلس الدولة الفرنسي إلا أن تطبيق مبدأ مسؤولية الدولة بقي حكرا على ما تعلق بالفرنسيين و الأجانب و ذلك حتى لا يفتح المجال للجزائريين للمطالبة بالاستقلال او القيام بثورة تجر إلى ذلك .إذا فمبدأ عدم مسؤولية الدولة  هو الذي كان سائدا , و كذا التمييز العنصري , أسست محاكم سيطر عليها محلفون أوربيون و مجالس بلدية يهيمن عليها العنصر الفرنسي فيما يخص الملكية و نظام الظرائب .
مبدأ مسؤولية الدولة و الإدارة العامة في الجزائر بعد استعادة السيادة الوطنية : الجزائر التي عانت طويلا من استبداد و تعسف الإدارة الاحتلالية و انحرف العدالة صار يتعين عن العدالة أن تصبح أداة للدفاع عن المصالح الثورة ووسيلة لتوعية الجماهير لا أداة قهر و إكراه . فكان ينظر أن يسود مبدأ مسؤولية الدولة .فعلا عرفت الجزائر بعد الاستقلال مبدأ مسؤولية الدولة و طبقت النظرية الفرنسية المتكاملة قضائيا و تشريعيا و فقهيا إلى غاية : 1965 .حيث صارت الدولة مسؤولة وتوسعت مسؤوليتها القانونية على أساس الخطأ الشخصي للموظف العام إلى الخطأ المرفقي ثم نظرية المخاطر الإدارية . و عقب موجه التشريعات التي حدثت .قررت المادة: 145 من قانون البلدية مسؤولة عن الأخطاء التي يرتكبها رئيس البلدية رقم 90/09 المؤرخ في 17/04/90 الولاية مسؤولة مدنيا عن الأخطاء التي يرتكبها أعضاء المجلس الشعبي الولائي و يمكنها الطعن لدلى القضاء المختص ضد مرتكبي هذه الأخطاء .يرتب على الخطأ القضائي تعويض من الدولة و يحدد القانون شروط التعويض و كيفياته فهذه النصوص تعطي دليل قوي على اعتناق الدولة للنظام القانوني و القضائي الجزائري لمبدأ مسؤولية الدولة و الإدارة العامة بصورة واسعة و يرجع ذلك إلى :1/ وجود نزعة حب الحرية و الديمقراطية و العدالة الاجتماعية و كره الظلم و لا مساواة .2/ انتشار الوعي الاجتماعي و السياسي و القانوني لدى الرأي العام الجزائري .بفعل السياسات التعليم و التكوين فأصبح الفرد يواجه السلطات و المؤسسات العامة في الدولة و يطالبها قضائيا بواسطة دعوى التعويض و المسؤولة للمطالبة بالتعويض عن الضرر الذي يصيبه بفعل نشاط الدولة و الإدارة العامة الضار .3/ مساعدة النظام القضائي الجزائري على تطبيق نظرية المسؤولية الإدارية بصورة واسعة و تبيين النظام القانوني للمسؤولية الإدارية في فرنسا لأسباب تاريخية و منطقية .و من بين قرارات المحكمة العليا الغرفة الإدارية قرارها الصادر : 17/04/1982 . قضية وزير الصحة العمومية و مدير القطاع الصحي لمدينة القل , ضد عبد المؤمن الطاهر و من معه , حيث جاء في إحدى حيثياته « حيث أن المسؤولية الإدارية تخضع لقواعد ذاتية لها و إن أحكام القانون المدني هي أجنبية غير مطبقة عليها فنظم المسؤولية الإدارية تقسم إلى نظام قضائي و نظم تشريعية
مسؤولية الطبيب و الصيدلي
مسؤولية الطبيب و الصيدلي ضمن القطاع العام .
يعتبر المستشفى من المؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية حسب ما ينص عليه القانون العام الخاص بتنظيم و سير هذا المرفق و يعرف هذا الأخير بجانب نشاطاته الإدارية و التنظيمية نشاطا أساسيا أسس من أجله و هو النشاط الطبي
و لهذا سنتناول مسؤولية الطبيب و الصيدلي التابعين لمرفق المستشفى العمومي ضمن مطلبين منفصلين .
مسؤولية الطبيب ضمن القطاع الصحي العام .
يتميز النشاط الطبي بأعمال مختلفة يقوم بها تقنيون مختلفون وعليه فإن للطبيب علاقات مختلفة تربطه بهذا القطاع.
علاقة الطبيب بالمستشفى :
يعتبر الطبيب تابعا للمستشفى الذي يعمل به و أن علاقة التبعية القائمة بين الطبيب و المستشفى و لو كانت علاقة تبعية إدارية فإنها تكفي لأن يتحمل المستشفى خطا الطبيب.
و علاقة التبعية تقوم كلما كان للمتبوع سلطة فعلية على التابع في الرقابة و التوجيه و لو كانت هذه الرقابة قاصرة على الرقابة الإدارية فمناط علاقة التبعية أن يكون للمتبوع سلطة فعلية في إصدار الأوامر إلى التابع في طريقة عمله و في الرقابة عليه و محاسبته و لا يلزم لقيام رابطة التبعية أن تجتمع للمتبوع سلطة الإشراف الفني و الإداري على التابع معا
علاقة الطبيب بالمريض :
قي المستشفى العام هي علاقة شخص مكلف بأداء خدمة عامة و تتحدد بمقتضى اللوائح المنظمة لنشاط المرفق الصحي العام.فهي ليست علاقة عقدية بل هي من طبيعة إدارية أو لائحية و من ثم لا يمكن إقامة مسؤولية المستشفى على أساس المسؤولية العقدية إن ما يقع من أخطاء خلال العمل الطبي أي ما يقوم به الطبيب من عمل فني كالتشخيص و العلاج و الجراحة و العناية و المتابعة إلى غير ذالك يقع على عاتقه وحده و يتحمل عبئه النهائي .
فارتكاب الطبيب لخطأ طبي يمكن أن يوقع عليه عدة مسؤوليات هذا بطبيعة الحال إذا توفرت شروط كل منها فهناك المسؤولية الجنائية التي تتبع بتوقيع العقاب الجنائي و هناك المسؤولية المدنية التي تستوجب الحكم بالتعويض و هناك المسؤولية التأديبية التي ترتب الجزاء التأديبي من نقابة الأطباء أو الجهة الإدارية التابع لها .
و تؤكد المحكمة الإدارية في هذا الصدد مبدأين هامين :
1- تعرض الطبيب للجزاء التأديبي الإداري عن الأخطاء الطبية التي يرتكبها خارج نطاق عمله .
2- جواز توقيع الجزاء الإداري بالإضافة إلى الجزاء التأديبي الذي توقعه النقابة .
الاختصاص القضائي بدعوى المسؤولية :
المبدأ العام هو أن الأخطاء التي يرتكبها الطبيب العامل بمستشفى عام خلال قيامه بعمله تدخل في اختصاص القضاء الإداري بشرط ألا تشكل أخطاء شخصية منفصلة عن أداء الخدمة الصحية المكلف بأدائها .
يختص القضاء الإداري وحده بدعاوى المسؤولية المرفوعة على طبيب المستشفى العام بسبب خطأه الطبي المرتكب أثناء قيامه بعمله و لكن بشرط ألا ينفصل ذلك الخطأ عن الخدمة الصحية المطلوب أداؤها ، و لا يعتبر منفصلا عن تلك الخدمة الخطأ المرتكب أثناء قيام الطبيب بعمله الفني فهو ليس خطأ شخصي رغم أنه يظهر الإنسان بكل ما ينطوي عليه من ضعف و هفوات .
فالهدف من هذا هو حمل الإدارة على تغطية الأخطار الصادرة من تابعيها أثناء قيامهم بأعمال المرفق ، فالمضرور ضمانا لحصوله على حقه ينبغي عليه اختصام المتبوع أمام القضاء الإداري .
و لكن الأمر يختلف بطبيعة الحال إذا كان الخطأ الذي ارتكبه الطبيب غريبا عن عمله داخل المرفق الصحي ، فهو هنا يخضع للقضاء العادي فتنطبق القواعد في المسؤولية المدنية و ذلك مثل الأخطاء التي يرتكبها أطباء المستشفيات العامة خلال اشتغالهم لحسابهم الشخصي أي أثناء قيامهم بالكشف الخاص لحسابهم .
 مسؤولية الصيدلي ضمن القطاع الصحي العام :
كم سبق و أن تناولنا مسؤولية الطبيب ضمن القطاع العام فإن مسؤولية الصيدلي ضمن نفس القطاع لا تخرج عن علاقة التابع و المتبوع .
غير أن الأضرار التي تلحق المريض بسب الأدوية التي يتعاطاها قد تثير مسؤولية الطبيب أو الصيدلي أو الصانع لها أو مسؤوليتهم معا فالطبيب عند كتابة و صفة العلاج يخضع للالتزام ببذل العناية في أن يكون الدواء ناجعا و لكنه لا يلتزم بشفاء المريض.
أما الصيدلي فالقاعدة العامة هي إلزامه بنتيجة فهو مدين بالتزام محدد يتمثل في تقديم أو بيع أدوية صالحة و سليمة و لا تشكل بطبيعتها خطرا على حياة المرضى الذين يتعاطونها و إذا كان يضمن سلامة الأدوية التي يبيعها أو يركبها إلا أنه لا يضمن فعالية تلك الأدوية و مدى نجاحها في العلاج فهو التزام بعناية يلتزم بصدده  بتقديم الدواء المتفق مع الأصول العلمية القائمة بهدف شفاء المريض و هو يشترك في هذا المجال مع الطبيب في التزامه بالعناية ، لذا فإن الخطأ الناجم عن مسؤولية الصيدلي في القطاع العام تباشر فيه الدعوى ضمن القضاء الإداري ليتحمل المتبوع أعباء التعويض للمريض المتضرر و يوقع من جهته العقاب على التابع له في نفس الوقت .
مسؤولية الطبيب و الصيدلي ضمن القطاع الصحي الخاص :
على عكس الحال بالنسبة للمستشفيات العامة فإن التجاء المريض إلى المستشفيات أو العيادات الخاصة لا يكون عادة إلا بناءا على عقد و لو ضمني بينه و بين إدارتها فعقد الاستشفاء هو الذي يحكم العلاقة التعاقدية بينهما خالف الأمر في العلاقة اللائحية التي تربط المريض بالمستشفى العام و عليه سنرى مسؤولية الطبيب في عيادته الخاصة و كذا مسؤولية الصيدلي في صيدليته أو مخبره 
 مسؤولية الطبيب في عيادته .
إن الأمر يختلف عند لجوء المريض إلى عيادة أو مستشفى خاص فإذا كان العقد مع إدارة المستشفى موضوعه تقديم الخدمات العادية للمريض أثناء علاجه و إقامته كم سنرى بالتفصيل إلا أن العقد الطبي يكون محله الأعمال الطبية بكل ما تحمله من فن طبي .
 و مع ذلك قد يبرم المريض العقدين مع شخص واحد يكون طبيبا يملك المستشفى الخاصة أو يستقل بإدارتها بناءا على عقد مع مالكها.
و كم سبق أن ذكرنا بصدد المستشفيات العامة أن الراجح هو أن الطبيب يعتبر تابعا للمستشفى أو الجهة التي يعمل فيها و لا ينفي قيام علاقة التبعية و بالتالي مسؤولية المستشفى عن أخطاء الطبيب ، و بطبيعة الحال تتحمل الإدارة نصيبها في التعويض إذا كان الخطأ مشتركا أم بالنسبة للعيادات و المستشفيات الخاصة لا تعد مسئولة عن أعمال الطبيب أو الجراح المهنية حيث يتمتع كل واحد منهم بالاستقلال في عمله الفني و لكن القضاء يتحفظ بالنسبة للطبيب الأجير الذي تربطه بالعيادة أو المستشفى علاقة عمل ، و يقرر مسؤولية المستشفى عن خطأ الطبيب نظرا لوجود عقد طبي بين المريض و المستشفى أو العيادة التي يعمل فيها الطبيب حيث يعتبر المستشفى مسئولا عن كل خطأ يصدر من العاملين فيه . و إذا كان خطأ الطبيب قد اتضح لنا من خلال العرض السابق فإن خطأ المستشفى يمكن أن يبدو من خلال تقديم الخدمات التي يحتاجها المريض أثناء إقامته فيه و بصفة خاصة تنفيذ تعليمات الطبيب فيما يتعلق بتلك الخدمات كنظام الطعام و النظافة و تقديم العلاج بصفة منتظمة من أدوية و حقن إلى غير ذالك .كم يقوم خطأ المستشفى عند عدم توفير التجهيزات الخاصة اللازمة لاستقبال المرضى و علاجهم و رعايتهم و لا يكفي توفرها بل لابد من سلامتها و قد تقوم مسؤولية العيادة أو المستشفى الخاص عند إخلاله بتوفير العدد الكافي من العاملين و الممرضات لحسن أداء المستشفى للخدمات الطبية و يشترط في العاملين و بصفة خاصة الممرضات حيازتهم على الشهادات المطلوبة و أن يكونوا على درجة كافية من التخصص و الكفاءة .
: مسؤولية الصيدلي في صيدليته .
يمكن أن تثور مسؤولية الصيدلي إذا ما قام ببيع الدواء مباشرة للمريض دون أمر من الطبيب و يستوي في هذا الصدد أن يكون الصيدلي قد قام من نفسه باختيار الدواء أو إعطائه للمريض دون أن يكون المريض قد طلب هذا النوع من الدواء بالذات ، و لا يتابع الصيدلي إذا ما استمر في بيع دواء معين حتى يتم اكتشاف دواء آخر أكثر فعالية ، إذ يتعلق الأمر بالتقدم و التطور الطبي .و يعتبر الصيدلي تابعا لصاحب الصيدلية باعتباره متبوعا لأنه هو الذي اختار الصيدلي و عليه رقابته ، إلا أن قيام المسؤولية يشترط توفر القواعد العامة أي وقوع الخطأ بمناسبة الوظيفة أو بسببها .و يخرج عن نطاق مسؤولية المتبوع ما يرتكبه التابع من خطأ لم يكن بينه وبين ما يؤدي من أعمال الوظيفة ارتباط مباشر و لم تكن هي ضرورية فيما وقع من خطأ و لا داعية إليه فإذا دخل عامل بصيدلية منزل المجني عليه بعد منتصف الليل بحجة إسعافه من مغص مفاجئ ثم قتله فلا يسأل صاحب الصيدلية بصفته مسئولا عن أعمال تابعه ( العامل بالصيدلية ) لأنه لم يكن وقت ارتكاب الجريمة يؤدي عملا من أعمال وظيفته و إنما وقعت الجريمة منه خارج زمان الوظيفة و مكانها و نطاقها و يغير أدواتها و من ثم فلا تلحقه مسؤولية المتبوع .
مسؤولية المستشفى
تحديد نشاط المؤسسة واساس مسؤوليتها .
نشاطات المستشفى.
يعرف مرفق المستشفى بجانب نشاطاته التنظيمية الإدارية نشاطا أساسيا أسس من أجله وهو النشاط الطبي حيث يميز هذا النشاط بأعمال مختلفة يتولاه تقنيون مختصون من حيث التكوين والمستوى والمهني تطرح على القاضي في حالة إلحاقها أضرارا بالمتضررين صعوبات في تحديد أساس قيام المسؤولية وعليه ميز الفقه والقضاء الإداريين في النشاط الطبي نوعين:
         أولهما : عمل طبي   والثاني: عمل علاجي .
وقد إقترح الفقهاء بين العمل الطبي والعمل العلاجي وذلك إنطلاقا من معيارين:
1- المعيار العضوي: العمل الطبي وفقا لهذا المعيار هو:                                    
·العمل الذي يقوم به الطبيب أو الجراح المختص.
·العمل الذي يقوم به تقني آخر تحت إشراف الطبيب أو المختص أو الجراح .
ويكون عمل علاجي العمل الذي يقوم به تقنيون آخرون غير الأشخاص المذكورين وعليه العمل الطبي لا تترتب عليه المسؤولية إلا في حالة الخطأ الجسيم والعمل العلاجي لا تترتب عليه المسؤولية إلا في حالة الخطأ البسيط . وقد إنتقد هذا التمييز لأنه غير مقنع وفي غير صالح الضحية خاصة في حالة العمل الطبي إذ يقوم الطبيب ببعض الأعمال الخفيفة مما يصعب على الضحية إثبات الخطأ الجسيم لهذه الأعمال لهذا فقد تخلى القضاء والفقه على هذا المعيار وأخذ بالمعيار المادي الذي يستند إلى طبيعة العمل.
2- المعيار المادي: فالعمل الطبي وفقا لهذا المعيار :
  هو العمل الذي يتميز بالصعوبة ويتطلب معرفة خاصة تكتسب بعد دراسات طويلة,العمل العلاجي هو العمل العادي الذي يبنى أساسا على تنفيذ أوامر إستثنائية بمسؤولية المستشفى تتأسس في حالة العمل الطبي وفقا لهذا المعيار على الخطأ البسيط والخطأ الجسيم.
 أساس قيام مسؤولية المستشفى.
بعدما تطرقنا إلى التمييز بين العملين الطبي والعلاجي فإنه يترتب على هذا التمييز تحديد الخطأ الذي تترتب عليه مسؤولية المستشفى ولذلك تطرقنا للخطأ بين البسيط والجسيم.
الخطأ البسيط:  نظرنا لصعوبة وضع تعريف الخطأ البسيط في مجال مسؤولية المستشفى يقوم القاضي الإداري بتقديره حسب عناصر مختلفة كالأخذ بعين الإعتبار ملاحظات القاضي الجزائي وكذلك مراعاة الوسائل المرفوقة وهي الوسائل التي تضرر منها الضحية أو المريض. والخطأ البسيط قد يكون ناجم عن الخطأ في تنظيم وسير مرفق المستشفى كالتأخير في إستقبال المرضى والعلاقات السيئة بين الطبيب والأعوان الشبه طبية وسوء إستعمال أو خلل في العتاد الطبي وكذلك إنعدام الرقابة الطبية كما قد يكون ناجم عن الخطأ في تقديم العلاج كالحقن مثلا.
الخطأ الجسيم:  يصعب تحديد الخطأ الجسيم إنطلاقا من الإمكانيات التقنية والتكنولوجية المستعملة في الطب وكذلك الإمكانيات المحدودة للقاضي أمام الجانب التقني لهذا العمل ويختلف الخطأ الجسيم عن الخطأ الشخصي بحيث يؤخذ بعين الإعتبار في الخطأ الشخصي بنية الأداء.كما يختلف الخطأ البسيط في الطابع غير العادي للخطأ الجسيم والخطأ الجسيم إما يكون في تشخيص المرض أو سوء إختيار العلاج المناسب أو ناجم عن الخطأ في عملية العلاج.
سوء تنظيم وتسيير المرفق كأساس لمسؤولية المستشفى الجامعي بقسنطينة وآثاره .
سوء تنظيم وتسيير المرفق ..إن الأضرار التي لحقت بالفتاة ياسمينة والمتمثلة في قطع ساقها اليمنى كان أحد أسبابها هو إنعدام الرقابة الطبية والسبب الآخر هو العلاقة السيئة بين الطبيب والأعوان الشبه طبية.حيث إنه عند إصابة الفتاة ياسمينة بكسر على مستوى ساقها الأيمن دخلت إلى المستشفى الجامعي بقسنطسنة لتلقي العلاج وهذا بتاريخ 3/9/1967 .وفعلا فقد تم وضع الجبس لها من الممرض المختص بالجبير تحت إشراف الطبيب المعالج ورغم ظهور الحمى التي تجاوزت 38 م وظهور الآلام على مستوى الساق في اليوم الأول إلا أن الجبس لم ينزع وبقيت ساق الفتاة مجبرة 3  أيام إلى غاية 6/9/1967 مما أدى إلى تفاقم حالة الكسر وتعفنه وبالتالي الإضطرار إلى قطع ساق ياسمينة.إن الضرر الذي لحق ياسمينة كان بالإمكان تداركه في اليوم الأول لولا إنعدام الرقابة الطبية من قبل الممرضين فلو لاحظ الممرض المكلف بمراقبة حالة ياسمينة (ظهور الحمى والألم) لقام بإخبار الطبيب المعالج وتم نزع الجبس لها وتطهير الكسر وإستخدام تقنيات جراحية المتاحة في هذا المجال وحيت أنه يلاحظ في المستشفيات العلاقة السيئة بين الطبيب والممرض وعدم وجود تكامل مهني بينما هو الذي يؤدي في أغلب الأحيان إلى حدوث أضرار للمرضى مثل الضرر الذي حصل للفتاة ياسمينة.إن الرقابة هي من الأعمال العلاجية التي يقوم بها الممرض وإهماله في الرقابة يعد خطأ بسيط وبما أن الممرض ينتمي إلى إدارة المستشفى الجامعي بقسنطينة فإن المستشفى الجامعي بقسنطينة هو المسؤول عن خطأ الممرض.
آثــــاره .إن إنعدام الرقابة الطبية أو الإهمال في الرقابة وكذلك العلاقة السيئة بين الطبيب والممرض هي أحد الأسباب الرئيسية للضرر الذي لحق ياسمينة وبما أن الأعوان الشبه طبية المكلفين بالرقابة ينتمون إلى إدارة المستشفى الجامعي بقسنطينة فإن هذه المتشفى هي المسؤولة عن تعويض والد الفتاة ياسمينة وهذا ما قضى به قرار المجلس الأعلى ( الغرفة الإدارية)   بتاريخ : 15 /04 /1980.
الخاتمة ومن كل ما تطرقنا إليه من تحليل القرار الذي بين أيدينا الذي بمجرد معرفة محتوياته قبل أن نبين ملابسات والإجراءات التي إتخذها أعوان المستشفى المتمثلين في الطبيب المعالج والممرض المسؤول عن مراقبة الطفلة ياسمينة وبإسقاط الأراء التي ظهرت وبين مسؤولية المستشفى على أساس مبدئين أساسيين وهما : الخطأ الجسيم والخطأ البسط الذي ظهر في إنعدام تنظيم وتسيير مصالح المستشفى الجامعي بقسنطينة ومن هنا قضى المجلس الأعلى بابطال قرار مجلس قضاء قسنطينة وتعويض الطفلة.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | Hostgator Discount Code تعريب : ق,ب,م