تابعنا

تعديل

الثلاثاء، 16 يوليو 2013

الركن المعنوي




 الركن المعنوي  


المقدمة

لا يكفي القيام بالمسؤولية الجنائية أن يصدر عن الشخص الفاعل سلوك إجرامي يعاقب عليه بل لا بد من تواجد وتوافر ركن معنوي والذي هو عبارة عن النية الداخلية التي يضمرها الجاني في نفسه ويتخذ الركن المعنوي إحدى هاتين الصورتين صورة القصد الجنائي تستأثر به الجرائم العمدية والصورة الثانية الخطأ غير العمدي تقوم به الجرائم غير العمدية .إذن يحق لنا أن نتساءل هل الفعل الذي ارتكبه الشخص صدر عن قصد معبرا عن سوء نيته أم كان مجرد فعل صادر عن خطأ او عن إهمال بدون قصد ؟

المبحث الأول :  الركن المعنوي في الجرائم العمدية 

المطلب الأول : تعريفه
 لم يتضمن قانون العقوبات الجزائري تعريف القصد الجنائي كما ان هناك عدة تعريفات فقهية له من ضمنها ما يلي :
تعريف جارسون : << يرى هذا الفقيه أن القصد الجنائي هو إرادة ارتكاب الجريمة كما حددها القانون ، وهو أيضا علم الجاني بمخالفة نواهي القانون التي يفترض أن يكون عالما بها >>
 كما يعرف الفقيه نورماي القصد الجنائي على أنه << علم الجاني أنه يقوم مختارا بارتكاب الفعل الموصوف في القانون بالجريمة وأنه يخاف أوامره ونواهيه >>

ويعرفه جاور :<< بأنه إرادة الخروج عن القانون بعمل أو بامتناع أو هو إرادة الإضرار بمصلحة يحميها القانون الذي يفترض العلم به عند الفاعل >>


وعموما نرى أن غالبية التشريعات الحديثة لم تضع تعريفا محددا للقصد الجنائي بل تشمل اشتراطه لقيام المسؤولية في جرائم متعددة و اشتراطه في العديد من الجرائم لركن المسؤولية ومن ذلك مثلا المادة 73 عقوبات :<< يعاقب بالسجن كل من يرتكب عمدا أي عمل من شأنه الإضرار بالدفاع الوطني >>
 والمادة 155 << يعاقب بالحبس من 06 أشهر إلى 03 سنوات كل من كسر عمدا الأختام الموضوعة بناءا على أمر من السلطة العمومية أو شرع عمدا في كسرها >>

المطلب الثاني : عناصر القصد الجنائي

العمد هو الأصل في الجرائم أما الخطأ غير العمدي فهو استثناء

أ/ نظرية العلم : يذهب أنصار هذه النظرية أن القصد الجنائي هو إرادة السلوك المكون للجريمة مع العلم بالنتيجة الإجرامية فالعلم بالوقائع هو جوهر القصد الجنائي ، وبهذا المنطق تحصر هذه النظرية القصد الجنائي في العلم
أمثلة : فمن يقتل يعلم أن السلاح من شأنه ان يحدث الوفاة أو من يدس سما قاتلا في كأس شخص يعلم أنه يؤدي على الموت
ب/ نظرية الإرادة :يرى أنصار هذه النظرية أن القصد الجنائي لا ينحصر في مجرد العلم بالوقائع ، فالعلم بالشر أو العلم بمخالفة القانون لا يعتبر إثما في حد ذاته ، إنما يحقق معنى الإثم حين تتجه نية الإرادة على تحقيق ما تعلم أنه شر أو مخالفة للقانون .وعلى ذلك فالقصد الجنائي لا يتحقق إلا إذا اتجهت إرادة الجاني إلى ارتكاب الفعل و تحقيق نتيجة إجرامية ومنه فالإرادة هي الامر الذي يفرق بين الفعل العمدي و غير العمدي و الواقع أن القصد الجنائي هو علم وإرادة
* الأسباب النافية للقصد الجنائي :
1- الغلط : هو عنصر من عناصر الجريمة مثال ذلك : من يصطاد في غابة فيطلق عيارا ناريا على إنسان حسبه حيوانا من حيوانات الصيد فقضى عليه ففي هذه الحالة يجهل الفاعل أنه أطلق الرصاص على إنسان حي  ومن ثم ينتفي لديه قصد إزهاق الروح .
2- الغلط في ظرف مشدد : قد ينصب على طرف مشدد للعقاب كأن يجهل الخادم أن المال الذي يسرقه هو لمخدومه أو يجهل السارق صدور حكم عليه يكون حالة العود و الجهل بالظرف المشدد للعقوبة فهذا لا ينفي القصد الجنائي لأنه لا يدخل ركنا في الجريمة فالجهل به لا ينفي إحاطة علم الجاني بكافة عناصر الجريمة
3- الغلط في القانون : الغلط في قانون العقوبات أو الجهل بأحكامه لا ينفي القصد الجنائي فلا يجوز لأحد أن يعتذر بالجهل في قانون العقوبات
4- الرعونة : الرعونة هي سوء التقدير أو الجهل بما يلزم العمل به مثل : من يلقى حجرا من نافذته غير متوقع أن تصيب شخصا آخر مارا فتسقط على رأسه فتحدث فيه جروحا أو كالطبيب يجري عملية جراحية بدون مساعدة طبيب مخدر
5- عدم الاحتياط : وهي نقص في الحذر الذي يستلزمه ممارسة بعض الأعمال الخطرة مثال من يربي حيوانات شرسة دون أخذ الاحتياطات اللازمة لحماية الغير
ومن هذه الحالات يدرك الجاني خطورة فعله وما يحتمل أن يترتب عليه من نتائج دون حيطة أو حذر  
6- الإهمال وعدم الانتباه : هو عدم اتخاذ الاحتياطات اللازمة في أخذ الحذر دون توقع الجاني لما يحتمل أن يترتب على إهماله  ومثال ذلك آلة يتركها صاحبها تعمل دون سياج واقي فيعرض بعض الصبية للخطر 

المطلب الثالث : صور القصد الجنائي 

رأينا أن القصد الجنائي يقوم عندما يوجه الجاني إرادته إلى ارتكاب الجريمة مع علمه بتوافر أركانها إلا أن القصد الجنائي قد يتخذ صور متعددة فأحيانا يكون عاما أو خاصا وأحيانا يكون مباشرا وغير مباشر  وأحيانا محدودا وغير محدود
1- القصد الجنائي العام و القصد الجنائي الخاص:
أ / القصد الجنائي العام: نقصد به انصراف إرادة الجاني إلى ارتكاب الجريمة مع توافر العلم بالأركان التي يتطلبها القانون ويعتبر القصد العام لازما لقيام المسؤولية الجنائية في جميع الجرائم العمدية ( جنايات ،جنح ) وينحصر في حدود تحقيق الغرض من الجريمة ولا نميزه بغيره وذلك أن القانون يكتفي بربط القصد الجنائي بالغرض (الهدف) الذي يسعى الجاني إلى تحقيقه بصرف النظر عن السبب الذي دفعه إلى ارتكاب الجريمة  مثال جريمة القتل هنا الغرض الجنائي هو إزهاق الروح وكذلك السرقة الغرض الجنائي لدى الجاني هو حيازة المال المسروق .
ب/ القصد الجنائي الخاص : لكي يتوافر يجب أن يضاف إلى عنصر القصد العام عنصر آخر هو نية الجاني التي دفعته إلى ارتكاب الفعل والقصد الخاص لا يقوم بدون قصد عام ، ويلاحظ كذلك أن القانون لا شأن له في معظم الجرائم بالباعث أو الدافع لارتكابها حتى ولو كان هذا الباعث شريفا .
2- القصد الجنائي المباشر و غير المباشر :
أ/ القصد الجنائي المباشر : يقصد به أن تنصرف إرادة الجاني إلى ارتكاب الجريمة مع علمه بتوافر أركانها القانونية واعتقاده يقينا أن هناك نتيجة يقصدها ستتحقق ومثال ذلك إطلاق الجاني النار على المجني عليه بهدف إزهاق روح المجني عليه وبذلك يعتبر القصد هنا مباشرا ، فالقصد الجنائي المباشر هو اللذي يميز بين الجرائم العمدية و غير العمدية مادامت
إرادة الجاني قد انتهت إلى مخالفة القانون .
ب/ القصد الجنائي غير المباشر : وهو القصد الجنائي الاحتمالي ففيه لا يكون الجاني موقنا وقت ارتكاب الفعل من حدوث النتيجة ولكن مع ذلك لا يستبعد حدوثها تماما بل يتوقع ذلك على أنه أمر محتمل أو ممكن الوقوع
3- القصد الجنائي المحدود و غير المحدود :
أ/ القصد الجنائي المحدود: هو انصراف إرادة الجاني إلى إحداث نتيجة معينة وعقد العزم على ذلك و مثاله أن يطلق الجاني النار على شخص معين بهدف قتله ( فقتل هذا الشخص هو القصد المحدد )
ب/ القصد غير المحدود : وهو أن تنصرف إرادة الجاني إلى ارتكاب الجريمة غير مبال بما تحدثه من عواقب مثل وضع قنبلة في الطريق العام فالقصد هنا غير محدد وغير محدود فالقنبلة قد تقتل وقد لا تقتل 

 المبحث الثاني : الركن المعنوي في الجرائم غير العمدية   

المطلب الأول : تعـريفــه
الخطأ غير العمدي هو الخطأ الذي لا يتفق مع الحيطة التي تتطلبها الحياة الاجتماعية ويفرضها القانون وقد يقع الخطأ غير العمدي باعتباره الركن المعنوي في الجرائم غير العمدية و القانون يلزم الكافة بمراعاة الحيطة و الحذر و الحرص على الحقوق التي يحميها القانون و ينحصر هذا الالتزام في وجوب اجتناب الأفعال الخطرة أو مباشرتها مع اتخاذ ما ينبغي من أسباب التحوط و الحذر
 المطلب الثاني : عناصر الخطأ غير العمدي
1-إنعدام القصد الجنائي : فالقصد الجنائي المطلوب في الجرائم العمدية يتطلب كما سبق إنصراف إرادة الجاني إلى ارتكاب الفعل وتحقيق النتيجة الإجرامية المترتبة عليه أما في الجرائم غير العمدية فإرادة الجاني تنصرف إلى إرادة الفعل دون النتيجة سواء كان الفعل سلبي او إيجابي ، و لا شروع في الجرائم غير العمدية كما لا يوجد إشتراك في الجرائم غير العمدية
2- الإخلال بواجبات الحيطة و الحذر : أن تكون الواقعة ناشئة عن إخلال بواجب يفرض على الفاعل قدرا من الحيطة و التدبر والحذر في الجريمة من الناحية الموضوعية يتمثل في سلوك ينطوي في ذاته على خطر المساس بأحد الحقوق أو المصالح التي يحرص القانون على حمايتها ، فذلك يوجب على الناس أن يتجنبوا هذا السلوك وإذا دعتهم ضرورات إلى إتيانها فإنه من واجبهم أن يتدبروا عواقبه وأن يتخذوا من التدابير ما يفل لهم تحقيق نفعه ودفع عن الآخرين أذاه .
المطلب الثالث : صور الخطأ غير العمدي
تتعدد صور الخطأ غير العمدي في قانون العقوبات و هو الإستوعاب الخطأ الذي يحدث في الحياة اليومية غالبا و تتمثل  صور الخطأ غير العمدي في الإهمال أو الرعونة أو عدم الانتباه أو عدم الاحتياط أو عدم مراعاة الأنظمة
1- الإهمال وعدم الانتباه : ينصرف معنى الإهمال وعدم الانتباه لتضاربها في المعنى إلى الخطأ الذي ينطوي عليه نشاط سلبي كترك أو امتناع يتمثل في إغفال حالفاعل اتخاذ الحيطة التي يوجبها الحذر و الذي لو اتخذه لما وقعت النتيجة مثل الذي يقوم بحفر بئر ولا يغطيه أو لا يضئ مكان في الليل كما أن أمثلة الإهمال كثيرة ونجدها منصوص عليها في قانون العقوبات إذ نصت المادة 460 عقوبات:  <<يعاقب بغرامة مالية من 30 إلى 100 دج من يهمل صيانة أو إصلاح أو تنظيف الأفران أو المداخن أو المصانع التي يستعمل فيها النار >>
2- الرعونة : يقصد بها سوء التقدير أو النقص في المهارة أو الجهل بما يتعين العلم به وقد تتجسد الرعونة في واقعة مادية تنطوي على الخفة وسوء تصرف كأن يطلق الشخص النار ليصيب طير فيصيب أحد المارة وقد يتجسد في واقعة معنوية تنطوي على جهل وعدم كفاءة كخطأ في تصميم بناء يرتكبه مهندس فيتسبب في سقوط البناء وموت شخص
3- عدم الاحتياط : ويقصد به الخطأ الذي ينطوي على نشاط إيجابي من الجاني يدل على عدم التبصر بالعواقب وهذا الخطأ الذي يدرك فيه الجاني طبيعة عمله وما قد يترتب عليه من نتائج ضارة كقيادة السيارة بسرعة زائدة في شارع مزدحم بالمارة يؤدي إلى قتل أو جرح أحدهم.
4-عدم مراعاة الأنظمة : الغرض من الأنظمة هو الحفاظ على الأمن وعدم مراعاتها فمخالفة كل ما تصدره جهات الإدارة المختلفة من تعليمات لحفظ النظام و الأمن و الصحة في صورة قوانين و لوائح أو منشورا وعدم مراعاتها من قبل المواطنين قد يؤدي إلى ترتب نتائج..فالشخص يسأل مسؤولية غير مقصودة على أساس عدم مراعاة الأنظمة  فالنظام الداخلي لتسيير مصنع ما ينص على قواعد للمحافظة على الصحة فإذا لم يحتفظ العامل تلك القواعد وحدثت إصابات أو أضرار للغير فإنه يسأل عن جريمة غير مقصودة لعدم مراعاته للأنظمة و اللوائح 

الخاتمة 
 نستخلص مما سبق ذكره أنه لا يقوم الركن المعنوي في الجرائم العمدية إلا بتوافر القصد الجنائي و عناصره من إرادة وعلم وفي الجرائم غير العمدية تنتشر إرادة الجاني إلى إرادة الفعل دون تحقيق نتيجة

1 التعليقات:

Unknown يقول...

اللهم انفعني بما علمتني وعلمني ما ينفعني وزدني علماً

إرسال تعليق

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | Hostgator Discount Code تعريب : ق,ب,م